القائد آبو يواصل خطواته للسلام.. والنظام التركي لا يزال يراوح مكانه
يؤكد مراقبون أن النظام التركي مُطالب باتخاذ مزيد من الخطوات الإيجابية، في مواجهة نداء السلام للقائد عبدالله أوجلان، وقرارات حزب العمال الكردستاني.

في تطور تاريخي غير مسبوق، أعلن حزب العمال الكردستاني قبل أسابيع حل هيكله التنظيمي ووقف كفاحه المسلح، استجابة لنداء السلام والمجتمع الديمقراطي الذي أطلقه القائد عبدالله أوجلان في فبراير/شباط الماضي، الأسير في سجن إمرالي منذ أكثر من 26 عاماً في إطار مؤامرة دولية.
هذه الخطوة، التي فاجأت كثيراً من الأوساط الإقليمية والدولية، مثّلت قفزة نوعية في مسار القضية الكردية، وأعادت بلا شك التأكيد على نضج المشروع الأوجلاني القائم على الحل السياسي وبناء الأمة الديمقراطية بدلاً من دوامة العنف والصراع.
لقد أثبت الحزب، بهذه المبادرة، أنه يتجاوز الأطر التقليدية للحركات التحررية المسلحة، منفتحاً على مرحلة جديدة من النضال السياسي القائم على التعددية واللا عنف والتعايش. كما أكدت الخطوة عمق التحول الفكري داخل بنية الحركة التحررية الكردية، واستيعابها للمتغيرات الإقليمية والدولية، وتعزيزها لخطاب يسعى لبناء عقد اجتماعي جديد يعترف بجميع المكونات على أسس العدالة والمساواة.
النظام التركي .. علامات استفهام
إلا أن المفارقة تكمن في موقف النظام التركي، الذي لم يتفاعل بعد بالقدر الكاف على الأقل علناً مع هذه المبادرة التاريخية، لا من حيث التقدير السياسي المناسب، ولا من حيث اتخاذ إجراءات عملية من شأنها أن تهيئ مناخاً للحل الشامل.
فبينما كان من المتوقع أن يقابل النظام التركي هذه الخطوة بمبادرات حسن نية، كرفع العزلة عن أوجلان، أو فتح قنوات الحوار مع الممثلين السياسيين للشعب الكردي، ظل الموقف الرسمي حبيس سياسات الإقصاء والتجاهل إلى حد كبير، في مشهد يعكس ضيق أفق استراتيجي لا يخدم استقرار تركيا ولا مصالح شعوب المنطقة.
إن هذه الخطوة التاريخية تُحتم على أنقرة إعادة النظر في مقاربتها للملف الكردي، والتخلي عن منطق القمع والشيطنة، والانخراط في عملية سياسية جادة تعالج جذور الأزمة المزمنة، وتفتح الباب أمام مصالحة وطنية شاملة تُنهي عقوداً من الاقتتال، وتمنح الشعوب فرصة حقيقية لبناء مستقبل مشترك.
يقول محمد فتحي الشريف رئيس مركز العرب للأبحاث والدراسات، في تصريحات لوكالة فرات للأنباء (ANF)، إن الصراع بين الترك والكرد أمام مرحلة مفصلية، وقد قدم أوجلان وحزب العمال الكردستاني خطوات كثيرة وجوهرية إلى الإمام، وهي خطوات مردودها ليس على تركيا فقط، بل على كل منطقة الشرق الأوسط.
وأضاف أنه من الضروري أن يدرك القادة الأتراك خطورة المرحلة التي تمر بها المنطقة، وأن يتحلوا بقدر كبير من المسؤولية، ويدركوا كذلك أن عليهم إثبات حسن نوايا بشدة تجاه خطوات حزب العمال الكردستاني، ونداء السلام الذي أطلقه السيد عبدالله أوجلان، وأن يعلن النظام بشكل رسمي عن خارطته في هذه المحادثات، ويضع جدولاً زمنياً بعد حوار مع كافة الأطراف.
وحذر الشريف من خطورة التباطؤ من قبل النظام التركي إزاء عملية السلام، معتبراً أن هذا التباطؤ أو التلكؤ قد يفقد العملية برمتها قيمتها، فكما يقال “يجب الطرق على الحديد ساخناً”، وحتى يشعر الشعب الكردي بأن التنازلات التي قام بها حزب العمال الكردستاني من حل هيكله التنظيمي ووقف أعماله المسلحة كانت ذات قيمة وجدوى، حتى لا يفقد هؤلاء إيمانهم بأهمية السلام والعمل السياسي.
مبادرة من منطلق قوة
إن المبادرة التي أطلقها حزب العمال الكردستاني ليست ضعفاً ولا تراجعاً، بل قوة ووعي وإدراك لضرورات المرحلة، وهي تمثل اختباراً حقيقياً للدولة التركية، وعليها إثبات أنها ترغب حقاً في طي صفحة الصراع الدموي وفتح صفحة من التعايش والسلام، أم أنها ماضية في تجاهل نداءات التاريخ والمستقبل على حد سواء.
وعن الخطوات التي يجب أيضاً على النظام القيام بها، يقول الخبير السياسي الدكتور مختار غباشي، في تصريحات لوكالة فرات للأنباء (ANF)، إن هناك مرحلة ما يجب أن يقوم النظام فيها بإطلاق سراح المفكر عبدالله أوجلان، لأنه الوحيد القادر على اتخاذ القرارات والتفاوض وتقديم الحلول ووضع الخطط الزمنية فيما يخص عملية السلام.

وشدد غباشي على أن أوجلان قائد مؤثر وله مكانة كبيرة، فهو “مانديلا الكرد”، حتى أن الزعيم الجنوب الأفريقي نيلسون مانديلا قضى 27 عاماً في السجن، وكذلك أوجلان أكثر من 26 عاماً، مضيفاً: “سيكون إطلاق سراحه أمراً بديهياً إذا تم الاتفاق حول الرتوش الأساسية للمرحلة المقبلة”.
والواقع يؤكد أن جانباً من المسؤولية يقع على عاتق المجتمع الدولي والمنظمات الحقوقية والقوى الإقليمية؛ للضغط باتجاه فتح حوار سياسي شامل، يبدأ بخطوة رمزية طال انتظارها، هي الإفراج عن القائد عبدالله أوجلان، بوصفه صاحب نداء السلام وأحد أبرز دعاة الحل الديمقراطي في المنطقة.